مشاعر قوية و سريعة بدون مبرر !
(رؤى).. مريضة نفسية فى المستشفى مع (ملك).. اتربت –زيها زى ملك- على ايد أم قاسية ومتسلطة تفرض رأيها على بنتها دون مناقشة.. الملاحظة إن أم (رؤى) لما بتيجى تزور بنتها فى المستشفى وتتعصب عليها.. تقوم (ملك) هى اللى ترد وتتخانق وتقف قصاد الأم بكل قوة وصمود وساعات عنف..
التفسير البسيط هو إنها بتفكرها بأمها.. لكن الموضوع أعمق من كده بشوية..
ياللا بينا..
(سيجموند فرويد) كان عنده صاحب وأستاذ اسمه (بروير).. بروير كان برضه محلل نفسى واشتغل وكتب مع فرويد شوية.. وكان عنده مريضة مهمة جداً فى تاريخ التحليل النفسى اسمها (أنًا) بتشديد النون.. كانت بتعانى من أعراض نفسية كتيرة وصعبة اصطلح على تسميتها وقتها (هيستيريا).. (أنًا) خلال رحلة علاجها حست بمشاعر حب وانجذاب ناحية الدكتور بتاعها.. والمشاعر دى فضلت تزيد لغاية ما تحولت لرغبة جنسية وأحلام بالزواج.. (بروير) كان بيحلل ده نفسياً ويحاول يحله ويعالجه بهدوء، لغاية ما (أنا) تصورت إنها حامل منه وبدأت تطارده.. الراجل توقف عن علاجها وحولها للمستشفى.. ويقال إنه من وقتها ساب المهنة كلها :)
المهم.. فرويد كان شريك بروير فى الشغل والتحليل النفسى.. وكان بيتابع تحليل وعلاج حالة (أنا).. وقدر من خلال ده إنه يكتشف إن كل المشاعر اللى كانت (أنا) بتحسها ناحية (بروير) هى فى الحقيقة مشاعر قديمة ومتخزنة جواها ناحية حد تانى خالص.. افترض إنه أبوها.. وإن المشاعر دى فضلت كامنة ساكنة جواها لغاية ما جه شخص فى حياتها يمثل دور الأب (اللى هو كان المعالج النفسى).. واتحركت المشاعر دى تانى، وتم اسقاطها (طرحها) على شخص (بروير)، وبقت حاسة إنها بتحبه وبقى عندها الرغبة الطفولية فى إنها تعيش حياتها معاه على طول..
حالة (أنا) بالإضافة لكتير من الحالات اللى كان بيعالجها فرويد وبروير ساعدت على صياغة مفهوم (الطرح) ودخوله عالم التحليل والعلاج النفسى لغاية النهاردة.. ومعناه ببساطة إعادة توجيه مشاعر وأفكار وساعات سلوكيات ناحية حد معين فى الحاضر (بشكل غير واعى) فى حين إن أصلها ناحية حد تانى خالص فى الماضى.. وعرفنا إن ليه صور كتير غير الحب.. ممكن الكره.. ممكن الغضب.. ممكن التقديس.. وغيره وغيره..
وعرفنا كمان إن ظاهرة (الطرح) دى مش بتحصل بس فى حجرة العلاج النفسى.. لا.. دى بتحصل فى البيت.. وفى الشارع.. وفى الشغل.. وفى أى حتة..
أوباااااااااااااااااااااااااا..
إيه الكلام ده؟!
الكلام ده معناه ببساطة إن ممكن حضرتك تحس بمشاعر ناحية حد.. وهى فى الحقيقة ناحية حد تانى خالص.. يالهوى!
لما حضرتك تشوف واحدة فى الشارع لأول مرة.. وتحس ناحيتها بحب مفاجئ وقوى وسريع ورهييييييب.. وتشوف فجأة إنها أفظع بنت فى الدنيا، وأروع كائن فى الوجود، وإنها مليانة حنية ورقة و ملائكية، من غير حتى ما تكلمها كلمة واحدة.. يبقى ساعتها فيه احتمال كبير إن المشاعر دى تكون قديمة ومتخزنة جوالك ناحية حد تانى خالص.. حبيبة سابقة.. مدرستك زمان.. صورة والدتك المثالية فى ذهنك.. وهكذا..
بلاش كده.. لما رئيسك أو مديرك فى الشغل يعدى من قدامك وينسى يقولك صباح الخير.. تقوم حضرتك تحس بغضب شديد، أو خوف غير مبرر، وتبدأ تتعامل معاه بشكل مليان جفاء وعنف أو رهبة ورعب.. يبقى غالبا الموقف ده حرك فيك مشاعر قديمة ناحية حد تانى فى حياتك.. من أول مدرسك فى ثانوى.. لغاية أبوك..
لما تروح بيتك.. وتحصل بينك وبين مراتك مناقشة عادية جدا لأى سبب تافه.. وتلاقى منها رد فعل قوى وعنيف وغير متناسب مع الموقف أو السبب.. يبقى هى غالباً مش بتكلمك انت.. دى بتكلم حد تانى قديم فى شخصك..
ومافيش أشهر من المثل المتكرر كل يوم بين الزوجة وحماتها.. اللى بتقوم فيه الزوجة عادة بشكل غير واعى بطرح كل مشاعرها السلبية الكامنة فى عقلها الباطن ناحية أمها (واللى ممكن هى نفسها ماتكونش عارفة إنها موجودة ولا عبرت عنها قبل كده) وتعيد توجيهها ناحية حماتها.. فى مشهد متكر بشكل يثير الدهشة فى معظم البيوت تقريباً.. من غير ما حد يسأل: هو ده أصله إيه؟
بعض عمالقة التحليل النفسى بيقولوا انه مافيش علاقة تخلو فى مرحلة من مراحلها من جزء (طرحى).. وإن النمو الصحى للعلاقات بيخلي الجزء ده أقل ما يكون.. والجزء الحقيقي هو الأكبر والأغلب..
بالمناسبة.. أكتر وأشهر أنواع العلاقات اللى بتسهل عملية (الطرح) دى هى العلاقات عبر الانترنت أو التليفون.. اللى مش بتكون شايف فيها الطرف التانى وانت بتكلمه.. وده بيساعد جداً إنك ترمى عليه من جواك كل اللى متخزن ومش لاقى حد يترمى عليه..
طبعاً الموضوع أعقد من كده بكتير لأن كمان فيه مسئولية بتقع على الجانب الآخر فى تحريك وتنبيه وساعات إثارة بعض المشاعر المتخزنة جوانا وتوجيهها ناحيته.. إلى جانب إنه ممكن حد يتعامل معاك بمشاعره ناحية نفسه هو شخصياً أو ناحية جزء بيحبه أو بيكره فيها..
إحنا غلابة جداً..
تصور إنك فى بعض الأوقات مش بتكون شايف اللى قدامك وانت بتكلمه.. وبتكون فى الحقيقة ملبسه حد تانى..
وإن ساعات حد يكون بيتعامل معاك على إنك شخص تانى انت ماتعرفوش أصلاً..
وإن علاقاتنا مع بعض مش احنا بس الشريك الأساسى فيها..
طيب أعرف منين إذا كانت مشاعرى وأفكارى وسلوكياتى ناحية حد طبيعية واللا (طرحية).. طبعاً ده سؤال صعب وإجابته أصعب.. لكن باختصار.. أول ما تلاقي مشاعرك ناحية حد كتيرة جدًّا.. وسريعة جدًّا.. ومالهاش أى مبرر.. اعرف فورًا إنك (غالبًا) مش شايف الحد ده، ومش بتتعامل فى الحقيقة معاه هو.. إنت بتتعامل مع حد تانى، من خلاله.. طبعا فيه حاجات واحتمالات وتفاصيل تانية كتير.. بس مش وقتها..
فيه دعاء شهير بيقول: (اللهم أرنا الأشياء كما هى)..
يا رب..
أرنى الأشياء كما هى..
#د_محمد_طه
تعليقات
إرسال تعليق