قوة الإقناع
الإقنـــاع .. .. القــوة المفقــــــــودة .!.
تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه ؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه ؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا . وجاء دور الشمس فتقدمت و بزغت و برزت للرجل بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً...
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر و رضا . إن الإقناع كما هو الحوار لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء ؛ وما التزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله .
والقرآن والسنة وهما نبراس المسلمين ودستورهم وفيهما كل خير ونفع قد جاءا بما يعزز الإقناع ويؤكد على أثره ، فآيات المحاجة والتفكر كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وكالملك الذي حاج إبراهيم عليه السلام في ربه وكمناقشة مؤمن آل فرعون قومه ؛ وأما الأحاديث فمن أشهرها حديث الشاب المستأذن في الزنا ؛ وحديث الرجل الذي رزق بولد أسود ؛ وحديث الأنصار بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم وتركهم ؛ كل هذه النصوص مليئة بالدروس والعبر التي تصف الإقناع وفنونه وطرائقه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ما هو الإقناع ؟
للإقناع عدة تعريفات منها :
استخدام المتحدث أو الكاتب للألفاظ والإشارات التي يمكن أن تؤثر في تغيير الاتجاهات والميول والسلوكيات .
تعريف آخر :
عمليات فكرية وشكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر وإخضاعه لفكرة أو رأي .
تعريف ثالث :
تأثير سليم ومقبول على القناعات لتغييرها كلياً أو جزئياً من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة و واضحة .
ويظهر جلياً من التعريفات السابقة أن الإقناع فرع عن إجادة مهارات الاتصال والتمكن من فنون الحوار وآدابه .وتتداخل بعض الكلمات في المعنى مع الإقناع مع وجود فوارق قد تكون دقيقة إلى درجة خفائها عن البعض ؛ ومن أمثال هذه الكلمات : الخداع ، الإغراء ، التفاوض . فبعضها تهييج للغرائز وبعضها تزييف للحقائق وبعضها مجرد حل وسط واتفاق دون اقتناع وهكذا .
عناصر الإقناع :
1- المصدر : ويجب أن تتوافر فيه صفات منها :
الثقة : ويحصل عليها من تأريخ المصدر إضافة إلى مدى اهتمامه بمصالح الآخرين .
المصداقية : في الوعود والأخبار والتقييم .
القدرة على استخدام عدة أساليب للإقناع : كلمة ، مقالة ، منطق ، عاطفة ، ...
المستوى العلمي والثقافي والمعرفي .
الالتزام بالمبادئ والقناعات التي يريد إقناع الآخرين بها .
2- الرسالة : لابد أن تكون :
واضحة لا غموض فيها بحيث يستطيع جمهور المخاطبين فهمها فهماً متماثلاً .
بروز الهدف منها دون حاجة لعناء البحث عنه .
مرتبة ترتيباً منطقياً مع التأكيد على الأدلة والبراهين .
مناسبة العبارات والجمل حتى لا تسبب إشكالاً أو حرجاً ولكل مقام مقال .
بعيدة عن الجدل واستعداء الآخرين ؛ لأن المحاصر سيقاوم ولا ريب !
3 – المستقبِل: ينبغي مراعاة ما يلي :
الفروق العمرية والبيئية .
الاختلافات الثقافية والمذهبية .
المكانة العلمية والمالية والاجتماعية .
مستوى الثقة بالنفس .
الانفتاح الذهني .
يعتمد نجاح الإقناع على :
1- القدرة على نقل المبادئ والعلوم والأفكار بإتقان .
2- معرفة أحوال المخاطبين وقيمهم و ترتيبها .
3- الجاذبية الشخصية بأركانها الثلاثة : حسن الخلق ، أناقة المظهر ، الثقافة الواسعة .
4- التفاعل الإيجابي الصادق مع الطرف الآخر .
5- التمكن من مهارات الإقناع وآلياته من خلال امتلاك مهارات الاتصال وإجادة فنون الحوار مع الالتزام بآدابه .
6- التوكل على الله ودعائه مع حسن الظن به سبحانه .
ما يجب عليك فعله :
• قبل الإقناع :
1- الإعداد الكامل فالأنصاف إتلاف للجهد ومضيعة للأوقات .
2- البدء بالأهم أولاً خشية طغيان مالا يهم على المهم .
3- اختيار التوقيت المناسب لك وللطرف الآخر .
• في أثناء الإقناع :
1- توضيح الفكرة بالقدر الذي يزيل اللبس عنها .
2- المنطقية والتدرج .
3- العناية بحاجات الطرف الآخر .
4- تفعيل أثر المشاعر .
• بعد الإقناع :
1- دحض الشبهات والرد على الاعتراضات .
2- التأكد من درجة الاقتناع من خلال إخبار الطرف الآخر أو مشاركته في الجواب عن الاعتراضات أو حماسته للعمل المبني على اقتناعه .
3- التفعيل السلوكي المباشر .
قواعد الإقناع :
1- أن يكون القيام خالصاً لله سبحانه وتعالى لا يشوبه حظ نفس .
2- الالتجاء لله بطلب العون والتوفيق ووضوح الحق .
3- وجود متطلبات الإقناع الرئيسة وهي :
الاقتناع بالفكرة . وضوحها .
القدرة على إيضاحها . القوة في طرح الفكرة .
توافر الخصال الضرورية في مصدر الإقناع .
4- معرفة شخصية المتلقي وقيمه واحتياجاته مع تحديد ترتيبها . وقد ينبغي عليك تقمص شخصيته لتتعرف على دوافعه ووجهة نظرة .كما يجب معرفة حيله وألاعيبه حتى لا تقع في شراكها .
5- حصر مميزات الفكرة التي تدعو إليها مع معرفة مآخذها الحقيقية أو المتوهمة وتحليل المعارضة السلبية المحتملة وإعداد الجواب الشافي عنها . واعلم أن أسلم طريقة للتغلب على الاعتراض أن تجعله من ضمن حديثك .
6- اختيار الأحوال المناسبة للإقناع : زمانية ومكانية ونفسية وجسدية ؛ مع تحين الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك .
7- تحليل الإقناع إلى :
مقدمات متفق عليها كالحقائق والمسلمات .
نتائج منطقية مبنية على المقدمات .
8- الابتعاد عن الجدل والتحدي واتهام النوايا ، لأن جعل الطرف الآخر متهماً يلزمه بالدفاع وربما المكابرة والعناد .
9- إذا كنت ستطرح فكرة في محيط ما : فروّج لها عند أركان ذلك المحيط قبل البدء بنشرها .
10- تعلم أن تقارن بين حالين ومسلكين لتعزيز فكرتك .
11- حدد مسبقاً متى وكيف تنهي حديثك .
12- لخص الأفكار الأساسية حتى لا تضيع في متاهة الحديث المتشعب .
13- اضبط نفسك حتى لا تستثر ؛ وراقب لغة جسدك حتى لا تخونك .
14- أشعر الطرف المقابل باهتمامك من خلال :
ربط بداية حديثك بنهاية حديثه ما أمكن .
تعزيز جوانب الاتفاق .
أشعره بمحبتك وعذرك إياه .
عوائق الإقناع:
1- الاستبداد والتسلط: لأن موافقة الطرف الآخر شكلية تزول بزوال الاستبداد.
2- طبيعة الشخص المقابل : فيصعب إقناع المعتد برأيه وتتعاظم الصعوبة إذا كان المعتد بنفسه جاهلاً جهلاً مركباً .
3- كثرة الأفكار مما يربك الذهن.
4- تذبذب مستوى القناعة أو ضعف أداء الرسالة من قبل المصدر .
5- الاعتقاد الخاطئ بصعوبة التغيير أو استحالته : وهذه نتيجة مبكرة تقضي على كل جهد قبل تمامه .
6- اختفاء ثقافة الإشادة بحق من قبل المصدر تجاه المستقبل .
وقفات مهمة:
1- " ما كان الرفق في شيء إلا زانه " .
2- الصدق في الحديث خلة حميدة يكافئ عليها الصادق حتى لو كان في حديثه ما لا ينبغي ؛ فلا تعارض بين تصحيح الخطأ ومكافأة الصادق .
3- سوف تمتلك مهارة الإقناع بدراية وتمكن من خلال متانة المعرفة وسلامة الممارسة؛ وإذا وجدت الموهبة فخير على خير وإلا فالمقدرة وحدها تفي بالغرض.
ملخص :
1- لا تحاول إقناع الآخرين بأنهم على خطأ.
2- لا تعمل على التحكم فيهم أو إجبارهم.
3-لا تستخدم أسلوب التهديد.
4-اهجر السخرية من أفكار الآخرين أو من ملاحظاتهم.
5- لا تعمل على التقليل من قيمـة أفكارهـم أو تخبرهم فجأه بأن تفكيــرهم سلبي.
6- لا تحـاول أبــداً أن تكــذب .. لأنّ للكذب دوماً نهايــة.
7- لا تجعــل من النقاش ساحــة عراك..و لا تصرخ أو تتأوّه.
8- اجعــــل حديــثك متناســق و منظــّـم و نقاطك سلِـســله ..تصــل بشكل سهل و مفهوم
و لتستطيع أن تقوم بالإقناع على خير وجه
يجب أن تتحد جميع حواسك لتعبـّـر عن فكرتك..
فليس ما تقوله فقط هو ما يؤدي للنتيجة النهائية أو مــا تكتبــه
و لكن كيف تقوله أو تكتبه أيضاً..!!
هذهِ بعــض النقــاط العــامــة و الخطوات السهــله المساعــده على إقنــاع الآخــريــن..:
1- الإتصــال :
قم بعمل اتصال مباشر مع من تريد التحدث معه
و لكن لا تجعله بنسبة 100% من الوقت
حتى لا يشعر بالإجهاد من نظراتــك المتواصلة إليه
و لا تكــن متكئــاً أو تتكلّــم بفوقيــّـة أو تراخــي.
2- تعبيرات الوجه :
يجب أن تتفق تعبيرات وجهك مع ما تقوله
فلا تضحك و أنت منزعج..!!
و لا تعبس و أنت سعيد..!!
فوجه مسترخي مبتسم هو الأفضل لو كنت سعيد
ووجه هاديء جاد هو الأفضل في حاله الانزعاج
و لا تحدّق .. و لا تطلق نظرات الاستهجان..
فقط ابتســم و تــرفـّــق.
3- طريــقـة الحديـــــث :
من الضروري أن تتحدث بطريقة فعـّـالةٍ و مؤثرة
فلو تلعثمت أو نسيت أو صمــتَ فجأة
ستفقد انتباه من يستمع إليك أو ستدخـل في نفــسه المـلل
و الشــعور بالاستيــاء.
4- الاستماع :
يجب أن تتمتع بالقدرة على الاستماع الجيد للآخرين
استمع إليهم للنهاية.. و لا تنشــغل عــنهـم ..
و إذا سجـلّت ملاحظاتك على ما يـُــقـال
قم بالرد عليها بعد أن ينتهوا من حديثهم باحــترام.
5- المحتوى :
ما تقوله هو أهم جزء لتستطيع توصيل فكرتك
يجب أن تحضـّـر جيداً لعرض فكرتك..
وأفضل طريقة هي تقســيم المـوضوع إلــى نقاط أساسية
ثم التحدث عن كل نقطـه بالتفصيل.
6- التدليــل :
حــاول ما استطــعت أن تأتـي بدليل على كلامــك
إمـّــا بآيـة أو حديث أو حقيقية علميــه أو حدث
أو أي شيء تشعــر بأن لـه تأثيــر على الآخـرين
و لـكــن لا تكــن متناقــض.
7- الثــقة :
لا بــد قبــل الخـوض في النـقاش أن تــكون واثقــاً فيــما تقــول..
و أن تتأكــد بأن كافــة نقـاطــك مدعمــّــه
حتــّى تـُــجيب عــلى استفساراتـهـم بثبــات و عقلانــيه.
8- الصبـر :
لا تستحــقـر مــن يمــاطل أو يكــابــر
اصــبر عليــه قليــلاً .. و لا تنفّـره منــك
و لا تخــدش الكــرامــة .. حتّى لا يصبح النقاش تحـدي أو ثــأر..!!
تعليقات
إرسال تعليق