التأثير النفسي والعضوي للتجويع- تجربة مجاعة مينيسوتا
التأثير النفسي والعضوي للتجويع- تجربة مجاعة مينيسوتا
مع اشتعال الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من أزمات في الغذاء بسبب الانهيار الاقتصادي، قرر باحثو جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة عمل تجربة سنة 1944- استغرقت عاما- علي 36 شاب، تم اختيارهم بعناية من بين 200 متطوع لدراسة الآثار النفسية والفسيولوجية للجوع.
بروتوكول البحث هدف إلى أن يفقد الخاضعون للدراسة 25٪ من وزن جسمهم الطبيعي. تكونت التجربة من 4 مراحل:
1- أمضوا الأشهر الثلاثة الأولى من الدراسة في تناول نظام غذائي عادي من 3200 سعرة حرارية في اليوم (هذا الرقم في حدود المعدل الصحي)،
2- تلاها ستة أشهر من شبه مجاعة، حيث تناولوا 1570 سعرة حرارية يوميا،
3- ثم فترة إعادة تأهيل محدودة من ثلاثة أشهر تناولوا فيها 2000 إلى 3200 سعرة حرارية في اليوم،
4- وأخيرا فترة إعادة تأهيل "حرة" لمدة ثمانية أسابيع، حيث لم تكن هناك قيود على السعرات الحرارية.
نظام التجربة الغذائي احتوى على الأطعمة المتاحة على نطاق واسع في أوروبا أثناء الحرب، معظمه من البطاطس والخضروات الجذرية، والخبز والمعكرونة. وطُلب من الرجال العمل 15 ساعة في الأسبوع في المختبر، والمشي 22 ميل (35 كم) أسبوعيا- أي بمعدل 5 كم يوميا، والمشاركة في مجموعة متنوعة من الأنشطة التعليمية لمدة 25 ساعة في الأسبوع.
في كافة مراحل التجربة، قام الباحثون بقياس التغيرات الفسيولوجية والنفسية الناجمة عن "شبه المجاعة".
خلال مرحلة شبه المجاعة، لاحظ الباحثون تغيرات ملحوظة على المتطوعين. غير أنهم أصيبوا بالهزال، كان هناك انخفاض كبير في قوتهم البدنية وقدرتهم على التحمل ودرجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والرغبة الجنسية. كما أنهم أصبحوا مهووسين بالطعام. أصبحوا يحلمون بالأكل ويتخيلونه ويتحدثون ويقرأون عنه وعن الاستمتاع به. أصبح الأكل هو شغلهم الوحيد! ذكر المتطوعون أنهم يعانون من الإرهاق، والعصبية، والاكتئاب واللامبالاة. أيضا تحدثوا عن اعتقادهم بانخفاض قدراتهم العقلية، على الرغم من أن الاختبارات العقلية لهم لم تدعم هذا الاعتقاد. تم استبعاد أربع متطوعين نظرا لعدم قدرتهم على استكمال التجربة.
في هذا الوقت كان العالم مشغولا بالحرب ولهذا لم تتلق الدراسة اهتماما كافيا وكادت تتوقف بسبب الظروف السياسية، ولكن فريق البحث كان هدفه عمل توصيات لمساعدة الدول التي تعاني من المجاعات في تلك الفترة الصعبة من تاريخ العالم، فقاموا بعمل كتيب من 70 صفحة، اسموه "الرجال والجوع: دليل النفسي لعمال الإغاثة" Men and Hunger: A Psychological Manual for Relief Workers. .الكتيب قدم المشورة العملية استنادا إلى الدروس المستفادة في المختبر.
انتهت تجربة "مجاعة مينيسوتا" في 1945. نتائجها رسمت صورة حية من الانخفاض البدني والنفسي الناجم عن الجوع وعرضت مبادئ توجيهية بشأن إعادة التأهيل. في مرحلة إعادة تأهيل مقيدة، تم زيادة السعرات الحرارية تدريجيا. وعلى الرغم من أن المشاركين تم تحذيرهم من مخاطر المبالغة في اكتساب أطعمة تحتوي سعرات عالية، انهمك المتطوعون في الأكل بإفراط شديد، وكانت النتيجة أنهم زادت أوزانهم عن ماقبل الدراسة بحوالي ١٠٪.
في عام 1950، نشر قائدا الدراسة كيس وبروزك ومعهم أعضاء آخرين من فريق البحث بياناتهم في مجموعة كتب من مجلدين أطلقوا عليها "بيولوجية تجويع الإنسان"
The biology of human starvation. (2 vols).
Keys, A.; Broek, J.; Henschel, A.; Mickelsen, O.; Taylor, H. L.
Oxford, England: Univ. of Minnesota Press. (1950). xxxii 1385 pp.
والتي لا زالت تعتبر حتى يومنا هذا أهم مؤلفات وصفت ظاهرة الجوع البشري وما يتبعها من تغير في شخصية الإنسان ورغباته.
هذا المقال يهدف لإيصال فكرة بسيطة: إذا كنت تريد الوصول لوزن صحي مع الحفاظ على حالة نفسية وجسدية طبيعية، فالامتناع عن الأكل هو أسوأ اختيار يمكن أن تقوم به. الاختيار الأمثل هو أن تحرص على أخذ عدد صحي من السعرات يوميا، وأن تزيد من الحركة والرياضة بحيث تقوم عمليات الأيض في الجسم بالحرق الصحي، وفي نفس الوقت أن تظل حالتك النفسية سليمة.
تعليقات
إرسال تعليق