الأمهات و المراهقات
تتجاهل بعض الأمهات الحالة النفسية لفتياتهن المراهقات في خضم مسؤولياتهن اليومية، فالأم العصرية مشغولة بالعمل والمشاركة في كسب العيش مثلها مثل الأب، بل هي الأكثر تحملا لأنها مطالبة بالقيام بجميع المهام المنزلية، خاصة المرأة العاملة في المجتمعات الشرقية التي لا يقدّر الرجل فيها أعباء المرأة ونادرا ما يشاركها مسؤولية إدارة شؤون المنزل.
وتجتهد بعض الأمهات من أجل إنجاز المهام الأساسية وتتجاهل العديد من الأمور التي تبدو غير هامة، فمع سيطرة المادة على حياتنا اليومية تبدو الأمور النفسية والعاطفية عديمة الأهمية وضعيفة القيمة مقارنة بغيرها من الضروريات. وقد تغفل الأم عن مشكلاتها الشخصية أثناء سعيها للتوفيق بين متطلبات المنزل والعمل، فماذا عن مشكلات المراهقات من الأبناء؟!
بعد بلوغ الفتيات مرحلة المراهقة تتضاءل فرص الأم لتقديم الرعاية المطلوبة لهن، فالابنة وقد صارت شابة عليها مشاركة الأم المهام المنزلية وتعلم الطبخ والتزيين واتقانهما وغيرهما من أعمال المنزل تمهيدا لانتقالها لمنزل الزوجية. ولا تجد الفتاة في هذه الحالة الصدر الحنون لسماع ما تمر به من اضطرابات طبيعية ناتجة عن التغيرات التي تطرأ على مظهرها الخارجي، وقد تشعر الكثيرات بالخجل في البوح بإحساسها بالإعجاب تجاه الجنس الآخر.
كما تتغير سلوكيات الفتاة وتدخل أحيانا في عزلة عن الآخرين عندما لا تجد متلقياً وناصحاً يخبرها بكيفية التعامل مع هذه المشكلات. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن تجاهل الاضطرابات النفسية عند الفتيات يتطور مع الوقت وتفقد الفتاة سويتها تدريجيا.
ولا شك أن الاختلاط بالذكور في مرحلة المراهقة يتسبب في بعض الاضطرابات لدى الفتاة ويجبرها على ارتداء ملابس تستر ملامحها الأنثوية وتمنحها عمرا إضافيا لتتحاشي التحرش!
ولعل أكثر ما قد يذهل الجميع هو أن مجلات الأزياء والموضة وبرامج العناية بالجسم وفقد الوزن تصيب العديد من الفتيات بالاكتئاب لصعوبة اتباعها مما قد يصيبهن بخيبة أمل.
وتسهم الحالة المادية وصعوبة حصول الفتاة على كل ما تتمناه من ملابس وأدوات تجميل وأجهزة إلكترونية في الإصابة بالضغط العصبي والتوتر.
ومن أسباب تدهور الحالة النفسية عند الفتيات أيضا الاضطرابات الأسرية وغياب الدفء والاهتمام وانعدام الثقة في المحيطين،
ولا تقل مشكلات الدراسة وصعوبة التحصيل في قسوتها على نفسية الفتاة خطورة في إمكانية إصابتها بالاكتئاب في المستقبل.
وبعض الفتيات يشغلهن مظهرهن العام أمام بقية أفراد المجتمع ويحاولن التحلي بجميع الصفات الإيجابية التي تجتذب الآخرين، وقد يسفر ذلك عن حالة من انفصام الشخصية عند إيجاد صعوبة في تكوين هوية شخصية.
وهنا يرى بعض المختصين في علم النفس أن التحديات التي تواجه الفتيات خلال الفترة الحالية أشد منها في أي عصر سابق بعد سيطرة التقنيات الحديثة على معظم أوجه الحياة. فتجد بعض الفتيات صعوبة في التعامل مع التقنيات الحديثة التي دخلت حتى في إعداد الطعام، على غير العادة في السابق.
وتواجه الفتيات المنغلقات عن المجتمع الخارجي تحديات جمة وتشعر بعضهن بغربة عن عالمهن الخاص، لكن ظروف الحياة تجبر بعضهن على خوض تجارب قد لا تكون ناجحة في معظمها، الأمر الذي يفاقم الألم النفسي ويزيد من حدة توتر علاقاتها بالمجتهدين من بني جنسها أو من الجنس الآخر.
ونعلم جميعنا مدى أعباء الأمهات وصعوبة إيجادهن الوقت اللازم لإيلاء المراهقات الاهتمام اللازم، كما ننفي عنهن تماما تهمة التقصير في رعاية فتياتهن، لكننا نحاول قدر المستطاع أن نلفت أنظارهن إلى ضرورة إيجاد وسيلة مناسبة للتواصل مع بناتهن من المراهقات من أجل التخفيف من معاناتهن النفسية ودفع نسبة الثقة في النفس لديهن.
وعندما تمر الفتاة بمشكلة نفسية ولا تجد من يساندها فقد تسلك سلوكيات لا تحمد عقباها، وهنا تجد الأسرة بكاملها مجبرة على إيجاد حل لمشكلات ما كانت لتظهر لو أن الفتاة قد وجدت من المحيطين بها القدر اللازم من الاهتمام. لذا نحن ندق ناقوس الخطر.
تعليقات
إرسال تعليق