تربويات (4)




لدى الأطفال، كل فعل يخدم هدفاً. وسلوك الطفل، أكان إيجابياً أم سلبياً، هو محاولة إما لتلبية احتياجات أساسية (كالحب/ الانتماء والقوة/ الإنجاز والحرية/ الاستقلالية واللعب والبقاء) أو لحماية احتياج من الطمس. ولأنه ليس للأطفال نضوج انفعالي ولا قدرة على حل المشكلات كالبالغين، فإن سلوكهم يبدو مشتتا ومتناثرا ولا معنى له أحياناً. الاحتياجات الأساسية التي ذكرتها عامة جدا، لكن سوء السلوك لدى الطفل يخدم غرضا أكثر تحديداً. ثمة أربع أهداف رئيسية لسوء السلوك عند الطفل: الاهتمام، القوة، الانتقام، العجز.
***********************************
الرسالة غير المنطوقة التي يتلقاها الطفل الذي يتعرض للإهمال هي:" مشاعرك لا قيمة لها." ولأن المشاعر هي الجزء الأكثر عمقا في شخصيتنا، فإن هذه الرسالة تصبح " لا قيمة لك." في سن الرشد، تقوض هذه الرسالة إحساسنا بالهدف والمعنى، فإذا كنا بلا قيمة، فكيف تكون حياتنا ذات قيمة؟
***********************************
أطفالنا ونحن ...في فترة ما قبل النوم:
فترة ما قبل النوم هي الفترة المثالية لتوفير مساحة هادئة يحتاجها الطفل لكي يستخدم صوته ويعبر عن نفسه ويتحدث عن مخاوفه وشكوكه، ويخبرنا عن الأشياء السخيفة التي حدثت، أو يشاركنا بأقسام اليوم المفضلة لديه. 
يقضي الطفل معظم يومه ونحن نحدثه أو نعلمه، بيد أنه من الضروري أن نخلق له مساحة يقود فيها الحديث بنفسه.والإصغاء في وقت ما قبل النوم يترك مساحة للطفل ليخبرنا القصص عن حياته دون ضغط الإجابة على أسئلة مباشرة مثل "كيف كانت مدرستك اليوم؟" أو " مع مين بتلعب؟" وهذا يقوي ارتباطنا مع الطفل ويطلق نمط لمحادثة صحية لها أن تستمر حتى الرشد. 
لا يتحدث كل الأطفال بانفتاح عفوي.ومراجعة اليوم معهم مع ترك توقفات طويلة في النقاش، يسمح بمساحة للطفل لكي يعلّق على اللحظات التي يكون عالقا فيها.
أمثلة عن المراجعة اليومية مع الطفل:
- كان بارد اليوم الصبح،صح؟
- الشوربة كانت مالحة شوي عالعشا، مو؟
أو عن تفاصيل اجتماعية:كأنن رفقاتك حبوا الطابة تبعك؟
أو تفاصيل انفعالية: كتير أحبطت لما رن الجرس ونحنا عم نلعب طابة وبعدنا خسرانين.
مراجعة اليوم يمكن أن تساعد الطفل على معالجة خبراته وتذكر أي شيء يريد أن يخبرنا به.
***********************************
الأبوان الجيدان كفايةً هما أكثر اهتماما بخبرة الطفولة من مستقبل الطفل كراشد.من الطبيعي أن لدى كل الآباء بعض الهمّ حيال مستقبل أولادهم.جميعنا نريد لأطفالنا أن ينضجوا ليصبحوا لطيفين وأخلاقيين وسعداء وأصحاء وناجحين، قادرين على تقديم الرعاية لأنفسهم وللآخرين.دور الأبوين أن يتأكدا بأن يكون لطفلهما طفولة مُرضية، ولذلك يسعيا لتوفير الشروط اللازمة لذلك.
الأطفال الذين يشعرون بالأمان في علاقتهم مع والديهم، ويشعرون بأنهم يتلقون الدعم وليس السيطرة، والذين يشعرون بأنهم محل ثقة وبالتالي بالجدارة، والذين لديهم بيئة جيدة بما يكفي لكي يلعبوا ويستكشفوا ويتعلموا ( بما في ذلك العديد من الفرص لكسب أصدقاء والتفاعل مع آخرين من خارج الأسرة)؛ سيكونون أكثر قدرة على وضع خارطة مستقبلهم المرْضي
***********************************
غالبا ما يفكر الكبار بأن لعب الطفل هو مجرد عبث و لهو، أو طريقة لملء الوقت.في الواقع ، يساعد اللعب التخيلي و الإبداعي على النمو المعرفي و التكيف الانفعالي للطفل.فمن خلال اللعب، يطور الطفل الثقة بنفسه، و صورة إيجابية عن ذاته و يتعلم التعبير عن مشاعره و اتخاذ القرارات و التأقلم مع أوضاع الحياة الواقعية.لذلك يمكن أن يكون اللعب علاجياً، يساعد الطفل على التعامل و التغلب على مشكلاته التي تثبط نموه الطبيعي. 
***********************************
الأبوان الجيدان بما يكفي يحترمان أطفالهما ويحاولان فهمهم كما هم.
لتوضيح موضوع احترام وفهم وجهة نظر الطفل، سأورد مثلا عن النزاع بين الأهل والطفل فيما يخص الأداء في المدرسة.لنفترض بأن طفلكِ لا يؤدي فروضه المدرسية ولا يطيع معلمته في الصف.تتصل المعلمة بك لحضور اجتماع أولياء الطلاب. فإذا كنت أما تهدف إلى الكمال، فستوضعين في حالة من الإحساس بالخزي لسلوك طفلك "السيء"، وستخجلين من نفسك على تربية طفل كهذا.فإنتٍ كشخص يعتقد بأنه يجب تجنب المشكلات، ستأخذين كلام المعلمة على محمل شخصي وهذا قد يقودك إلى التعنيف الدفاعي لطفلك، والذي ينهي أي محاولة للفهم والمساعدة الحقيقية.
بخلاف ذلك، إذا كنتِ أماً راضية بكونك أما بما يكفي، وليس لديك أوهام بأن الكمال أمر ممكن، فسترين المشكلة كما هي، مشكلة تتطلب محاولة الحل، وليست تراجيديا أو مناسبة للوم الطفل أو الخزي.الخطوة الأولى في الحل هي محاولة فهم المشكلة من وجهة نظر طفلك.ولأنك تحترمينه، فأنت لن تفترضي مباشرة بأن سلوكه ينبع من أمر خاطئ فيه، و يستوجب التقويم.قد لا يتمكن طفلك من التعبير بوضوح عن أسباب سلوكه، وربما لا يكون مدركا لها، لكن ذلك لا يعني أنه لا توجد أسباب أو أن أسبابه سيئة.
لعل سلوك طفلك في المدرسة يمثل أمرا يستوجب الإعجاب، فقد ينبع من الرغبة الصحية في أن يؤكد استقلاليته.فإذا تفهمنا حاجة الطفل لكي يؤكد ذاته من خلال رفض الواجب المدرسي، أو تفهمنا خوفه من أن يصبح دمية إذا فعل ما يرغب الآخرون منه أن يفعل، عندئذ سيكون موقفنا مختلفا كليا عن الموقف الذي يعزو إليه صفات الكسل أو العجز أو قلة الأدب!
مثل هذه الرؤيا يمكن أن تقود إلى طريق إيجابي وتعاوني وبان للعلاقة من أجل حل المشكلة التي يفكر ويتحدث فيها الأهل والطفل سويا عن الحلول الممكنة.هل هناك مثلا طرقا بديلة يمكن للطفل أن يثبت من خلالها لنفسه وللآخرين بأنه ليس دمية، وفي نفس الوقت يؤدي واجباته المدرسية؟ النقطة الأساسية هي محاولة فهم المشكلة من وجهة نظر الطفل، وهذا سيسمح بحلول عملية يشعر معها الطفل بالدعم وليس بالهزيمة.
***********************************
عن الطفل المُفْسَد!
عندما يحصل الطفل على ما يريد، مهما يكن، يطلب الشيبس فيعطى، يلعب بحنفية الماء فلا يقال له كفى، ينق على شيء فيأخذه بدون تأخير؛ فإن ذلك سيجعله متعلما سيئاً للمهارات الاجتماعية، و لن يكون لديه القدرة على تقدير الأشياء حق قدرها، و لن يكون قادراً على الامتنان أو اعتبار مشاعر الآخرين، و على المدى الطويل، سيصبح لديه شعوراً بالقدرة الكلية الذي يقوده إلى الصعوبات في مواجهة التحديات و إلى الإحباطات.عندما يحدث أمر سيء للآخرين فهذا خطأهم، و عندما يحدث أمر سيء له، فهذا ليس خطأه، بل خطأ الآخرين حين يسقط اللوم على العامل الخارجي.الطفل الذي لم يتعلم تأخير إشباعه، سيعيش طوال حياته بالورطات، و التي ستطال كل المحيطين به.
**************************
عن بيولوجيا العقوبة الجسدية للطفل
يفسر الدماغ الألم كتهديد. لذا عندما يُنزِلُ الأهلُ الألمَ الجسدي بطفلهم، فإنه يواجه تناقضا بيولوجيا غير قابل للحل.فمن جهة، وُلدنا جميعا ولدينا غريزة أن نتوجه إلى من يرعانا من أجل الحماية عندما نتأذى أو نخاف. ولكن عندما يكون رعاتنا هم أيضا مصدر الألم والخوف، أي عندما يسبب أحد الوالدين حالة من الرعب داخل الطفل بما يفعله، فإن ذلك سيشوش دماغ الطفل. 
فإحدى الدارات الدماغية تدفع الطفل لمحاولة الهرب من الأب الذي ينزل به الألم، ودارة دماغية أخرى في المقابل، تدفع الطفل إلى رمز التعلق للحصول على الأمان.وبالتالي عندما يكون أحد الوالدين هو مصدر الألم، يقع الدماغ في فوضى وظيفية، حيث لا حل أمامه، وهذا ما يسمى التعلق غير المنظم.في هذه الحالة يتحرر هرمون الشدة (الكورتيزول)، والخبرات بين الشخصية المتكررة التي تنتج الغضب والخوف، يمكن أن تقود إلى تأثيرات سلبية مديدة على تطور الدماغ، حيث أن للكورتيزول تأثيراً سمياً ويثبط تطور الدماغ.
يمكن للعقوبة القاسية والشديدة أن تؤدي في الواقع إلى تغيرات كبيرة في الدماغ، مثل موت الترابطات الدماغية بل وحتى الخلايا الدماغية.
تيسيير حسون

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشخصية الهذائية

المراهقون و لغات الحب الخمس

الإفصاح عن الذات