تربويات (3)
" الطفل المحبوب "
إن الطفولة المستقرة المليئة بحب و اهتمام الوالدين ، قد لا تحمي عند الكبر من مصاعب الحياة ، و لا تحمي من الألم و الخيبة ، لكنها تُسهل عبور الدرب ، و تجعل من القيام من جديد أمراً أكثر يسراً و سهولة .
عندما يكبر الطفل و هو يعرف يقيناً أنه شخص محبوب من عائلته ، لن يعتمد كثيراً على حبٍ و اهتمام قادم من الآخرين ، و لن تنته حياته بفقدانِ حبٍ أو حبيب . سيعود بسرعة إلى مخزونه القديم من الحب ليقوم ثانية و يتابع حياته .
الشخص المحبوب طفلاً ، يشعر أن الحب أمر طبيعي و فطري ، و لا يثير الاستغرابَ لا أخذاً ولا عطاءً ، حتى أنه لا يشعر به كشعور منفرد أو خاص ، فيختلط بشكل غامض مع كل شيء يفعله أو يقوله .
تختلط مادة الحب مع كل شيء ، مع كل الأعمدة الاساسية في بناء حياته ، فيبدو متجانساً متوازناً ، شفافاً واضحاً أمام نفسه ، لا يبحث عن القوة بقدر بحثه عن معرفةٍ أكثر تسامحاً مع ذاته .
الشخص المحبوب في طفولته ، هو شخص ذو جذور ، جذور قاسية صلبة تثبته في مكانه ، و أخرى طرية ناعمة تتحول إلى أجنحة ليطير و يحلم ، و هذا التوازن بين جذور تُثبِّت و أخرى تُطَيّر هو الوعي العميق ، الابن الشرعي للحب العظيم .
أما محبة الأطفال فليست علماً و لا ثقافة و لا طرقاً و لا تقاليد ، لأنها شراكة منذ البداية بين كائنين مختلفين بطاقات مختلفة و حاجات مختلفة ، فيصير الحب ممكناً كلما اعترفنا أننا مختلفون و محدودون و حقيقيون .
كلما أحببتَ نفسك و رحمتها و قبلتَ بحدودها و امكانياتها ، كلما أحببتَ ابنك و رحمته و قبلته .
و كلما قدَّمت نفسك لابنك كما أنت ، كلما أحببته أكثر و أحبّك أكثر .
أما هؤلاء الذين يعتقدون أن شمس الحب لم تزورهم أطفالاً فهم مدعوون يومياً لحب آخر يبدو أكثر اجهاداً و ارهاقاً هو حب الذات و صداقتها و صدقها .
حب الذات و مساواتها مع الآخرين مهما كانوا قد يعوِّض تدريجياً عن حب الطفولة الناعم بحبٍ آخر من شكل آخر و أنوار أخرى .
الحب رحيم دائماً ، لا يظلم أحداً ، و لا يحرم أحداً من ثماره ، فقط يلزم أن نفتح العيون و نرى .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
قد تكون الحاجة للتقدير هي أكثر الحاجات عمقاً عند الإنسان .
لمساعدة الطفل على أن يكون أكثر توازناً يجب شكره المستمر على كل عمل يقوم به مهما كان بسيطاً و طبيعياً .
إن شكر الطفل و إظهار التقدير له ، في كل الأعمار يعزز بشكل لا يمكن تخيله علاقته مع ذاته و مع الآخرين و يجعل منه فرداً إيجابياً في نظرته لنفسه و للآخر و لحياته بشكل عام .
و إن كنت أعتقد بوجود سرّ خاص للتربية الأفضل و الأكثر جدوى ، فإن تقدير الطفل على كل عمل بسيط إيجابي يقوم به هو سر الأسرار كلها .
إنه سر الأسرار لأنه يعيد التوازن لحياة الأبناء و الآباء على حد سواء . و بواسطته يمكن أن نحلّ أكثر مشاكل الأطفال تعقيداً و صعوبة .
’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’
مشيمة الجديدة المتجددة
تتواصل الأم مع جنينها عبر " مشيمة" ، لا يوجد بينهما تواصل مباشر، و لا يجوز أن يوجد .
تحترم الأم و بدون قرار منها ، نمو جنينها و يمر عطاؤها عبر فلتر .. عبر مشيمة .
لا يعني وجود هذه المشيمة أن الأم لا تحب أن تعطي كل شيء لجنينها ، بل يعني أن كل عطاء مهما كان مهماً يجب أن يمر عبر " مشيمة" ، لابد من فلتر .
....
الحب .. هو حبل سُريّ يمر عبر مشيمة / حاجز/ فلتر .
جودة العلاقة مع الابن و الحبيب و الزوج و الآخر ( كل آخر) تأتي من جودة "الحاجز" الذي يربط بينهما لا من جودة ما يمر عبره .
تواصل لا حواجز فيه ، يصير " الفوضى" ، يصير " المرض" ، و يهدد موت الأم و الجنين على السواء .
كل علاقة تحتاج إلى " مشيمة متخيّلَة خاصة " حتى تحافظ على نضارتها .
احمِ حبيبك منك ..
احم ابنك منك ..
و ابحث لكما عن مشيمة .. جديدة.. ومتجددة
...
الاحترام .. مشيمة
الحب ... هو فن صناعة المشيمات
....
هامش : كل ما أفعله في عيادتي النفسية هو وقف اجتياحنا المفتوح لبعضنا .. أصنع مع كل واحدٍ مشيمَته الجديدة .
رفيف المهنا
تعليقات
إرسال تعليق