تربويات (2)
أن يكون الطفل ذكياً و مبدعاً و نشيطاً و مطيعاً في آن ، هذا الأمر صعب جدا .
الإبداع و التميز عند الأطفال تترافق في كثير من المرات مع الرفض و العناد و التمسك بالخيارات الفردية .
أمام كل رفض عند الطفل ، علينا أن نجد الوقت الكافي لنطرح بعض الأسئلة المهمة :
ماذا يريد هذا الطفل ؟
لماذا يرفض ؟
ماذا يريد أن يحمي حتى يرفض كل هذا الرفض ؟
هل هو رفض لمجرد الرفض ، أم أنه دعوة للحوار و التفاوض ، و محاولة كسب مساحات جديدة للحرية الفردية ؟
هل في هذا الرفض رفض للأهل ؟
ولماذا يعتبر الكثيرون من الأهالي أن في الأمر رفض شخصي لهم ؟
إن الطفل العنيد والرافض يخفي خلف رفضه الكثير من المفاتيح التي تساعد في التربية إذا أخذ الأهل الوقت الكافي لطرح الأسئلة .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
حررب " الكلمة الأخيرة"
قد يكون الجهد الذي يبذله الأهل لتعليم أولادهم التفاوض و "الأخذ و العطاء" هو أكثر ما يساهم في تكوين شخصية الطفل و إعادة تكوين شخصية الأهل على السواء .
التربية هي فن التكثير من الخيارات ، و كلما كانت الخيارات المطروحة أمام الطفل أكثر في لحظة الاصطدام معه ، كلما سمح لنا و له بالتفاوض .
من المُقلِقْ أن يفرح الأهل بطفلٍ " يسمع الكلمة بدون نقاش" فذلك دليل على غياب المرونة لدى الطرفين ، دليل على أن الطفل قطع الأمل بمرونة ممكنة لدى الأهل ، لأن كل طفل هو مشاكس بطبعه و لا يقبل بسهولة الشروط المفروضة .
الطفل الصعب هو الذي لا يكتفي بخيار أو خيارين ، إنه يضع الأهل أمام حقيقةِ ضيق خياراتهم و خيالهم ، فيزيد فيهم الغضب و التعصب و الحدية.
إذا أردنا لأولادنا أن يبنوا علاقة عميقة معنا على المدى الطويل ، لابد من أن نظهِر الكثير من المرونة و القبول بتغيير المواقف ، لأن الحدة الدائمة تصنع طفلاً حدياً قاسياً لا يعرف الحوار و لا التفاوض ، و تؤكد للأهل سلطةً وهميةً سرعان ما يهرب منها الأبناء بمجرد ما سنحت لهم الفرصة .
أن يصمم الأهل على أن يكونوا - منتصرين - أصحاب "الكلمة الأخيرة" في كل صدام مع الأولاد هو تماماً أحد أهم الأسباب الأساسية لغياب ما يسمى " ديموقراطية " في مجتمعات كمجتمعاتنا ، لأن الديموقراطية تنفي وجود مصطلح " الكلمة الأخيرة" فلكل كلمته التي سيأتي دوره ليقولها ، فيتناوب كل طرف على قول كلمته بدون إحساس بالانتصار ولا إحساس بالهزيمة .
ابني تحت مراقبتي و ليس تحت سيطرتي .
ابني ليس تلميذاً في مدرستي عليّ أن أفرض عليه أسلوبي .
ابني وأنا ، تلميذان أبديان في مدرسة لا تنته أبداً و بلا أساتذة .
ابني شريكي في وطنٍ صغير يسمى " البيت".
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
من الطرق التي أعرضها على أمهات الأطفال و خصوصاً الأطفال العنيدين و السريعي الغضب و أصحاب الصوت العالي .
هي أن تستخدم كاميرا الفيديو في موبايلها و تصور طفلها في الحالات الصعبة التي قد تحدث بينهما ، أن تصور اللحظة الغاضبة و المتوترة بينهما ، أن تصور حركاته و صوته ، في ذلك إيجابيات عديدة :
- صنع المسافة : بمجرد أن تتذكر الأم فكرة التصوير و تبحث عن التلفون لتصور ، ستكسر حالة التوتر التي تحدث بينهما و تعيق قدرة كل منهما على قطع حالة التشنج الأعمى الحاصلة .
- الحاجز : تتحول الكاميرا إلى حاجز يساعد الأم على رؤية الطفل بعين أخرى أقل توتراً و بسرعة قياسية .
- التقييم :
مع نفسها : لترى بهدوء ما حدث ، فكثير من المرات يكون تقييم الأم متوترا و يمنعها من تقدير الحالة ، اعادة مشاهدة الفيديو قد يعطي الأم الكثير من الحلول الذاتية للمرات القادمة .
مع الطفل في وقت لاحق: بهدوء و بدون سخرية و طلب رأيه في سلوكه . ثم حذف الفيديو بوجوده و قد نطلب منه أن يمحيه بنفسه .
لهذه الطريقة فوائد كثيرة إذا بقيت سراً بين الأم و طفلها حتى بعيدا عن الأب و الأصدقاء و المعارف .
قد تزيد هذه الطريقة من توتر الطفل اذا عرف انه يتصور لذلك يجب ايقاف الفكرة إذا رفضها الطفل بشكل واضح .
قد تكون مفيدة أكثر في عمر الطفولة المبكرة و للأطفال العنيدين على وجه التحديد.
’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’
لا يحب الأهل الصدام مع أطفالهم و يتعاملون معه بكثير من الحذر و الغضب .
فيقمعون الصدام قبل حصوله بطريقة الحسم التي تقضي على الصدام قبل حصوله .
هذه الطريقة تَخلق أطفالاً " هادئين" و " مثاليين" و " مسالمين " ، هذا صحيح لكنهم يكونون بالنتيجة أشخاصاً يتجنبون الخلافات خوفاً من الصدام و خسارة حب الأهل و المجتمع كنتيجة . لكنهم يتحولون فيما بعد إلى أشخاص مثاليين اجتماعياً من جهة و انفجاريين على مستوى عائلتهم الخاصة عندما يصيرون آباءً و أمهات ، من جهة ثانية .
" إدارة الصِدام و الخلافات " هو فن يتعلمه الطفل في المنزل عندما يرى أمه قادرة على الخلاف و الصدام مع الأب بدون خسارات عاطفية و لا كوارث و تجريح و كلام مؤذٍ و ما يتبعه من ابتزاز عاطفي و أخلاقي .
عندما نسمح للطفل بالصدام معنا نحن الأهل بشكل مباشر بدون قمع سيتحول من شخص متجنب للخلافات إلى آخر قادر على المواجهة بدون خوف و لا فزع و بثقة عالية بالنفس و معرفة تامة للحدود الذاتية و الآخرية .
من يريد دائماً الهدوء و السلام و تجنب الخلافات هو الاسم الثاني للشخص الذي لا يثق بنفسه و يخاف أن ينفجر أمام أي خلاف أو اختلاف . هو نفسه الذي سيؤجل الانفجار حتى يجد من هو أضعف منه ليفرغ به تاريخاً من الصمت و الأدب و " الدماثة".
في مجتمعاتنا ، ينتظر الأفراد سياقاً باسم " الثورات" ليعوض فيه تاريخاً من الكبت و الصمت و الأدب و الأخلاقيات التي أجبِر عليها منذ أول يوم في حياته .
لنقطع دابر " الثورات القاتلة" علينا أن نسمح ب " ثورات بسيطة " في بيوتنا ، علينا أن نسمح لأطفالنا أن يعيشوا الغضب و السخط و الكراهية ، لنصدِّر للمجتمعات حينها أفرداً قادراً على إدارة الصراع و الخلاف و الصدام بأقل العنف الممكن .
علينا ألا نستغرب في مجتمعاتنا أن يكون أكثرنا هدوءاً و لطفاً ، قاتلاً و مجرماً و بدم بارد جداً .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
فن التكرار
عندما ننوي أن ننجب أطفالاً علينا أن نتدرب على التكرار ، تكرار نفس الفكرة لمئات المرات .
التكرار هو الفن الذي علينا تعلمه كل يوم بل كل ساعة .
إننا نعتقد أننا و بمجرد أننا قلنا فكرة ما و بدا على الطفل أنه فهمها و استوعبها الآن فإنه لن يفعل بعد ساعة ما يعاكسها تماماً و كأننا لم نقل شيئاً .
هذا ليس تمرداً ولا تحدٍ من الطفل لأنه يتعامل مع معظم التعليمات و القوانين على أنها آنية تخضع لظروف محددة و خاصة ، و لا تمتد عبر الوقت .
إحدى أهم صعوبات التربية هو أننا علينا أن نقدم للطفل نفس المضمون من المعلومات بأشكال متعددة لا نهاية لها ، و ما يدفعنا للشعور بالغضب هو أننا توهمنا أن الطفل قد فهم علينا من المرة الماضية ، و أننا أمام حاجة ماسة للتكرار المتنوع .
كلما قبلنا فكرة أننا سنكرر كثيراً ما قلنا و ما علمّنا من قبل ، كلما كانت التربية أقل صعوبة و أكثر متعة .
رفيف المهنا
تعليقات
إرسال تعليق