عن الوسواس القهري
عن الوسواس القهري
كل واحد فينا بيوصله خلال تربيته مجموعة من الرسائل النفسية اللى مع تكرارها وتأكيدها من الأب والأم كل شوية تتحول لجزء لا يتجزأ من التكوين النفسى للأبناء.. لدرجة ان الرسايل دى بعد كده تطلع من جواهم ليهم تلقائياً وكأنها بتاعتهم هما شخصياً.. يعنى اللى وصلته رسايل من نوعية (انت ماتستاهلش).. (انت أقل من غيرك).. (شوف فلان أحسن منك إزاى).. هايكبر وتفضل الرسايل دى جواه.. وهايطلعله صوت من جواه كل شوية يقوله (انت قليل).. (انت وحش).. (فلان عمل وانت ماعملتش).. وهكذا..
إحنا جوانا جهاز نفسى مهم زى الريكوردر متسجل فيه كل الرسايل اللى وصلتنا فى طفولتنا وصدقناها عن نفسنا وعن العالم وعن الآخرين.. الجهاز ده شغال 24 ساعة فى اليوم.. حتى واحنا نايمين، ممكن يبعتلنا رسايله فى الأحلام.. الجهاز ده حتة منك.. مش حاجة منفصلة عنك.. ولما الرسايل دى بتطلع لوعيك، بتكون خلاص بقت بتاعتك.. ( تعليق مني ! لأجل ذلك التوكيدات الايجابية و تكرارها بتبرمج العقل من جديد ! )
تصور بقى حد وصلتله رسايل نفسية وهو صغير (عادة قبل سن خمس سنوات) محتواها عبارة عن (انت ماعملتش اللى عليك).. (انت دايماً مقصر).. (انا مش راضى عنك).. (فيه أحسن من كده).. (لسه ناقص شوية.. كمل..).. لما الرسايل دى يصدقها عن نفسه ويخزنها جواه.. لدرجة إنه يبدأ بعد شوية يتعامل بيها مع نفسه.. تفتكر هايعمل إيه؟
بكل بساطة الشخص ده عمره ما هايحس إنه عمل اللى عليه.. هايملاه الشك فى كل حاجة بيعملها.. هايحس بالذنب والتقصير على كل خطوة بيخطيها.. لأانها دايماً ناقصة، ومش كاملة، وكانت ممكن تبقى أحسن..
الشخص ده كل ما يعمل حاجة تطلع له فكرة ملحة من جواه تقوله: (لسه شوية).. (ماتعملتش صح).. (عيد تانى علشان تطلع أحسن).. (أنا لسه مش راضى).. (اعمل الصح).. فيعيد ويزيد اللى عمله علشان يهدى ويرتاح، وترجع الفكرة تتكرر تانى.. وهكذا.. وهكذا.. بلا نهاية..
الموضوع ده ممكن يحصل فى النضافة، الوضوء، الصلاة، النظام، الترتيب، الأكل، الشرب، الاستحمام، قفل وفتح الباب، طريقة وتفاصيل اللبس، الطريق اللى بيمشى فيه .. أى حاجة.. أى حاجة.. سلسلة لانهائية من الشك والمراجعة وعدم الرضا.. واحد اتربى على إنه دايماً مشكوك فيه.. دايماً مافيش رضا من أبوه أو أمه.. مايشكش فى نفسه وفى أفعاله ويعيدها ألف مرة كل يوم ليه يعنى؟
فيه طبعاً شكل تانى من أعراض المرض ده.. وهى أفكار متلاحقة بتطلب من المريض إنه يشتم حد أو يسئ إلى حد.. وساعات كتير الحد ده بيكون ربنا.. وفى الحقيقة ربنا هنا مش بيكون مقصود بيه ربنا نفسه قد ما هو رمز لكل سلطة أبوية/والدية اتعامل معاها المريض فى حياته ووصلت ليه رسايل قاسية بالشكل اللى وصفناه..
ساعات كمان تتوارد على ذهن المريض أفكار أو صور جنسية ويحاول يقاومها ويقاوم الانسياق وراها، وده ساعات بيكون برضه شكل من أشكال الاعتراض والتمرد على تربية قاسية وعنيفة..
مريض الوسواس القهرى بيكون جواه عملاق نفسى ضخم، صوته عالى وتأثيره قوى.. عملاق جبار لا يرضى أبدأ.. فى إيده سلاحين فى منتهى القسوة.. سلاح الشك.. وسلاح الشعور بالذنب.. بيستخدمهم علشان يسلط على المريض أفكار وخيالات وصور بشكل متلاحق ومتواتر، لا يكل ولا يمل.. وطول الوقت بيعيد جواه نفس الرسايل القديمة اللى وصلته: (انت ماعملتش اللى عليك).. (انت دايماً مقصر).. (أنا مش راضى عنك)..
طبعا المرض ده ليه علاج نفسى ودوائى ناجح جدا..
باقولكم أخيرا بكل معانى الأمل والرجاء..
ارضوا من أولادكم بأقل القليل..
بلاش تعايروهم بالتقصير وعدم الكمال..
ماتستخدموش معاهم لغة (لازم) و (المفروض)..
سامحوهم و اعذروهم واقبلوا خطأهم وضعفهم وفشلهم..
وقبلها..
سامحوا نفسكم.. واعذروها.. واقبلوا خطأكم وضعفكم وفشلكم..
احنا بنى آدمين..
احنا مش ربنا..
محمد طه
تعليقات
إرسال تعليق