التلاتة اللي عايشين جواك !




التلاتة اللي عايشين جواك !
بص يا سيدى..
فى كل تفاعل أو تعامل مع حد، واحد من التلاتة اللى جوانا بيكلم واحد من التلاتة اللى جوه الآخر.. والطبيعى والسليم إن اللى أوجه له الكلام هو اللى يرد عليه.. مش أكلم حد ويرد عليا حد تانى.. لكن لو أنا كلمت حد ورد عليا حد تانى ممكن تحصل قفلة وينتهى التواصل قبل ما يبدأ..
يعنى لما حضرتك تبقى راجع البيت بعد يوم شغل وتعب وإرهاق.. وتقول لمراتك بمنتهى الهدوء والعقل والواقعية (حالة الأنا الراشدة) أنا جعان جداً.. عملتى الأكل؟ الطبيعى إنها ترد عليك ب (الأنا الراشدة) اللى جواها برضه، وتقولك آه الأكل جاهز.. أو كنت مشغولة النهاردة ومالحتش أجهزه.. ده اسمه تفاعل طبيعى.. لكن لما تروح رادة عليك بمنتهى الشعور بالظلم والإهانة وعدم التقدير وتقولك: هو انت مش شايف غيرى؟ مافيش غير أنا اللى تتعب وتشقى وانت جاى عاوز تاكل على الجاهز؟ مش تقدًر تعبى شوية؟ حرام عليك!! يبقى (الطفل المذعن- المتكيف) اللى جواها بيرد على (الراشد) اللى كلمها.. وده يعمل (قفلة) فورية فى العلاقة.. ولو اتكرر بالشكل ده (من ناحيتها أو من ناحيتك) هايقطع التواصل بينكم من أساسه.. ويبقى اسمه تفاعل (متقاطع)..
لو انت طالب وبتمتحن امتحان شفوى.. والدكتور بيكلمك بحالة (الراشد) وبيسألك بمنتهى العقل سؤال بسيط.. فالطبيعى إنك ترد عليه رد برضه (راشد) ومنطقى وواقعى بالإجابة السليمة (أو حتى غير السليمة).. لكن لو رديت عليه وقولتله: معلش يا دكتور أنا ماذاكرتش مادتك كويس، ومش مستعد للامتحان.. يبقى انت كده بتستفز فيه بكل وضوح (الوالد الناقد)، وهاتلاقيه يرد عليك ويقولك بمنتهى الغضب: طيب خد الصفر ده وامشى يا شاطر..
لو ابنك بيكلمك ب(الطفل الحر) اللى جواه وبيقولك: ماتيجى تلعب معايا شوية يا بابا.. هو بيكون عاوز (الوالد الراعى- الحانى) اللى جواك يرد عليه ويقوله: وماله يا حبيبى، ياللا بينا.. لكنه أكيد مش عاوز (الراشد) بتاعك يقوله بمنتهى المنطق وبدون أى عواطف: أنا مشغول ومش فاضي دلوقت.
يبقى مهم تعرف مين جواك بيكلم أو بيرد على مين جوه اللى بتتعامل معاه.. علشان ده ممكن يساعد جداً على التفاهم والتواصل (لو اللى بكلمه هو اللى بيرد عليا)، أو يكون سبب فى سوء التفاهم وقطع التواصل (لما اللى يرد يكون غير اللى اتوجه له الكلام)..
طبعاً فيه نوع أهم وأخطر من النوعين دول فى التواصل.. اسمه (التفاعل الخفى).. وده فيه اتنين من عندك بيكلموا اتنين من عند اللى قدامك فى نفس الوقت.. حد بيكلم حد بشكل ظاهر وواضح وخفى.. بس حد تانى من عندك بيوصل رسالة خفية وغير ظاهرة لحد تانى من اللى قدامك.. معلش استحملنى فى الجنان ده شوية.. يعنى الأب بيقول لإبنه ب(الوالد الراعى) بتاعه: يا حبيبى مايهمكش.. ذاكر واعمل اللى عليك، وادخل الكلية اللى انت عايزها، واللى يجيبه ربنا كله كويس.. بس من تحت لتحت، بيقوله بنظرات عينه وبتصرفاته عن طريق (الأب الناقد): إوعى تدخل غير كلية الطب. أو الأم تقول لبنتها بشكل واضح: اكبرى بقى واتجوزى يا حبيبتى علشان نفرح بيكى.. بس فى نفس الوقت وبشكل خفى (الطفل) اللى جواها بيقول للبنت: إوعى تكبرى وتتخلى عنى.. إوعى تكبرى وتسيبينى.. الرسايل المتناقضة اللى بالشكل ده ممكن تجنن بجد..
أقولك نكتة بقى علشان نعيد ترتيب مخنا بعد اللخبطة دى شوية..
الأجانب لما بيحبوا بعض.. بيدلعوا بعض.. هو يقولها يا (بيبى).. وهى تقوله يا (بيبى).. الطفل اللى جواه بيستدعى ويحضر ويخاطب ويطلع الطفل اللى جواها.. والعكس بالعكس.. عندنا بقى الاتنين الحلوين أول ما يتجوزوا.. هو يقولها يا (ماما).. وهى تقوله يا (بابا).. عرفتوا إحنا بنطلع من بعض إيه.. وبنستدعى إيه عند بعض؟؟!!
يبقى لما يكون واحد قافش وزعلان وقرفان من نفسه، وعايش حالة (الوالد الناقد) أو (الطفل المذعن- المتكيف).. لما تيجى تكلمه تعمل حسابك إنك تخاطب فيه (الطفل الحر).. تهزر معاه.. تزغزغه.. كده يعنى.. مش تقفش عليه وتلومه وتعاتبه وتكرهه فى نفسه أكتر ما هو كارهها.. كل حالة ليها مفتاح.. وكل شخصية ليها مدخل..
ولما تكون مراتك فرحانة وبتدلع وتهزر وتتنطط قدامك، وماليها (الطفل الحر) بتاعها.. ماينفعش حضرتك تكلمها ب(الراشد) الحكيم الفيلسوف المنطقى اللى جواك، ولا تنقدها أو تحكم عليها ب(الوالد الناقد) بتاعك..
فى تعاملاتك مع مرءوسيك.. مهم تكون ساعات والد وساعات راشد وساعات طفل حر.. ومهم تحرك فيهم وتستدعى كل دول برضه من عندهم وقت اللزوم..
تفتكر بقى الناس بتوع الدعاية والإعلانات بيكلموا ويستدعوا مين جوانا؟
الطفل الحر طبعا.. 
بيكلموه بالأغانى والموسيقى والإبداع.. بيستدعوه بخفة الدم والرشاقة والجمال.. بيحضروه بالألوان والرسومات والأشكال المبهجة.. علشان (الطفل الحر) ده هو اللى عنده رغبة وتطلع وحب استطلاع.. وهو اللى هايشترى.. ده مايمنعش طبعاُ إنهم فى بعض الأوقات القليلة بيكلموا (الوالد) أو (الراشد)..
نكتة تانى..
كان فيه ظاهرة مشهورة فى الشعر الجاهلى.. وهى إن الشاعر بيفتتح أشعاره بحاجة بيسموها (مخاطبة الصاحبين).. يعنى يوجه كلامه وشعره (لاتنين).. ولغاية النهاردة ماحدش عنده تفسير واضح للحكاية دى.. ليه اتنين. اشمعنا يعنى؟ طيب مين هما الاتنين دول؟ وليه الحكاية دى بتتكرر كتير؟ متهيألى أن أوضح تفسير للظاهرة دى بعد الكلام اللى فات هو إن الشاعر بيكون فى حالة من التلات حالات دول (الطفل/الوالد/الراشد) وبيكلم (بعقله الباطن) الاتنين التانيين اللى جواه..
فيه حاجتين مهمين قبل ما أخلص..
أولا.. يا ريت تكون شوفت انت علاقتك إيه بأجزاءك الداخلية.. عامل إيه مع الناس اللى عايشة جواك؟ حالات الأنا بتاعتك متفاهمة ومتناسقة وبتحب بعض وبتعرف تخرج إمتى ومع مين؟ واللا انت فى خناقة داخلية عنيفة.. فيها أجزاء نفسك كارهة بعضها وانت رافض دى ومقاطع دى وعاوز تخلص من دى؟ قابل نفسك كلها على بعضها بكل حالاتها وأحوالها واللا مقسمها ومجزءها ومخليها حتت مالهاش علاقة ببعض؟ انت من الناس اللى جواهم/فيهم (شركاء متشاكسون)؟ واللا من الناس اللى جواهم (رجلا سلما لرجل)؟ زى وصف الآية القرآنية من سورة الزمر: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.. واللى ده ممكن يكون أحد تفسيراتها العلمية الحديثة..
ثانيا.. اسأل نفسك: مين بيطلع من جواك؟ وإمتى؟ ومع مين؟
شوف انت بتكلم مين فى الشخص اللى قدامك؟ 
اعرف انت بتوصل إيه على المكشوف؟ وإيه من تحت لتحت؟
اكتشف.. مين بيتكلم على لسانك؟
اتعلم عن نفسك.. واعرفها.. واتعلم عن نفوس الآخرين واعرفهم..
علشان ده مفتاح مهم جداً.. فى أى علاقة صحية..

محمد طه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشخصية الهذائية

المراهقون و لغات الحب الخمس

الإفصاح عن الذات